19‏/08‏/2009

أحلام "مواطن ليبي"

بصراحة الموضوع طويل ، وهاليومين الواحد ماعاد عنده نية في القراءة لكن حاولت أن أبوّب الموضوع ،، ولمن لا يجدون الوقت لقراءة كل المقال فليتخطى المقدمة إلى لب الموضوع ولمن كان مستعجلاً فعليه بالزبدة يجدها في نهاية الموضوع أما اللي ماعنداش نية بكل فالأفضل يقفل الصفحة.

مقدمة

كل إنسان في صغره يسألونه "ماذا تتمنى أن تصير عندما تكبر؟" ،، ولأن السؤال تقليدي ومكرر ستجد الطفل يذهب تلقائياً إلى الجواب التلقيدي ، واحد يقول مهندس وواحد يقول طبيب (وبالمناسبة هذه أكثر الأجوبة التقليدية تكراراً) وإن شطح بفكره قليلاً ستكون إجابته إما كابتن طائرة أو ربان سفينة ،، ثم إذا أثقلت عليه في السؤال وقلت له "علاش؟" ، هنا سيمتعض وقد يرد وقد لايرد ، وحسب ذكاء ونباهة الطفل يكون الرد ،،لكن هل تتوقع من الطفل أن يجيب مثلاً بالقول "أتمنى أن أكون مواطن حر سعيد في بلدي"؟؟ ، أكيد لا ، ولا حتى عندما يكبر في العمر قليلاً سيدرك معنى هذه الجملة أساساً ، لأن الإنسان كلما ازدادت سنوات عمره كلما أدرك مايجري حوله بعد خروجه من تحت مظلة الأب والأم أو ولي أمره الذي يكفله وعائلته التي تحميه ويدرك مصاعب الحياة عند أول وهلة يصطدم بأهوالها هنا سيتعلم تفاصيل لم تلقن له في صغره ولم يتعلمها من والديه أو من قام بتربيته ، حتى الأطفال الذين عركتهم الحياة منذ الطفولة واضطروا للعمل قد لايكون حلمهم بهذا المعنى الكبير الذي نقصده..
عندما ندخل في سن المراهقة تعشش في رؤوسنا أحلام الشباب الوردية التي يملأها الحماس والرومانسية وتتجه عادة نحو أهداف قصيرة المدى وعاجلة التنفيذ ، ويسيطر عليها أفكار معينة مثل حلم الانتهاء من الدراسة والدخول إلى مجال العمل ، والحب والزواج وتكوين الأسرة ، وهذه هي أغلب الأحلام المشتركة بين الشباب ، كيف وماهي الطرق لتنفيذها لن تعنيه الوسائل كثيراً ، لذلك نجد الشباب مفعم بالحيوية والنشاط وقراراته متسرعة بعض الشيء يستثار بسهولة ويهدأ بيسر لكن لا يستطيع أن يرى الأمور بوضوح تام .. فأحياناً تختلط عليه الأهداف وتتماهى أمامه الطرق والوسائل لتنفيذها فيقع في فخ "طيش الشباب"..أما عندما نكون على بعد خطوات من نهاية العقد الثالث من العمر وعلى عتبة العقد الرابع وهو سن الرجولة المتكاملة (كما يقولون) أحلامنا تختلف ، تصبح أكثر نضجاً وواقعية ، أقرب لترجمة مانحسه من آلام ومشاكل يومية ، خليطاً ممزوجاً نقياً من كل أحلام عقود العمر الماضية..
أغلبنا يتجسد حلمه الأساسي في معنى واحد وهو الحصول على كل مايجلب السعادة في الحياة وكل مايختمها على الإيمان وكل ما ييسر الوصول إلى جنان الخلد في الآخرة (اللهم اجعلها من نصيبنا أجمعين) ،، وهذا مايمكن أن نسميه الحلم العام لكل واحد منا ونعيش ونكد لأجله كل يوم .لكن.. هل راودكم حلم من نوع آخر؟ مثل (أتمنى أن أكون مواطن له قيمة وهيبة وقدر فوق أرضه وخارجها)، هل حلمت يوماً بأن كلمة "مواطن" ذات قيمة قصوى لا يتحصل عليها إلا من يحملها؟؟ ألا يستحق أن نسمي هذا بالـ "حلم" ، الحلم القريب وربما البعيد المنال؟!!
لب الموضوع

فوق بلده يستحق المرء حياة سعيدة راقية مرفهة ،أكثر قدراً وهيبة ، أكثر أمناً على مستقبله ومستقبل عياله ، حياة أفضل بكثير من تلك التي يعيشها.. في بلدي المواطن الذي يحمل الجنسية الليبية من حقه أن يحلم بأن تكون صفة "ليبي" تعني الكثير عنده وعند الآخرين ، وعندما ينعتك أحدهم بـ "العربي الليبي" تعلم أنه يشير إلى شيء مهم جوهري وليس هامشياً. طيب ، يقول القائل ، "وخيره ؟ (اش بيه؟) شن ناقصه حتى نقول هالكلام؟ عايشين والخير يغمرنا والحمد لله!! شني تبي أكثر؟ حالنا أفضل من كثيرين غيرنا وأمورنا فل الفل ، وغالبيتنا متمكن من لقمة العيش اليومية ومافيش حد ميت من الجوع والكل حامد ربه على هالنعمة ، شن تبي منهم يديرولك وشن هالمميزات اللي تبيها؟؟"

أقول الحمد لله على كل حال ، على الغنى والفقر على الصحة والمرض على كل ما يأتي به الله والحمد لله أولاً وأخيراً على أن الله اختارنا لنكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونسأله كل يوم أن يختم لنا على الإيمان والإسلام..لكن الفكرة ليست في الأكل والشرب أو الصحة والمرض الفكرة تكمن في شيء أعم وأشمل للجميع ، في أن كلمة "مواطن ليبي" ذات معنى كبير كانت لها قيمتها وضاعت بين الممارسات اليومية في الحياة وتهمشت بسبب تصرفات تراكمت وتعددت ، طحنت تحت أركام الكم الهائل من ورق البيروقراطية الإدارية والروتين الممل لم تعد لكلمة مواطن تقريباً أي معنى ولم نعد نشعر بها وتتذكر أنك مواطن ليبي إلا في موقف وحيد ، وهو في بوابة "القادمون" أو "المغادرون" في المطار و الميناء!! وحتى في هذه لا تفيد لأن الزحمة على الطابور في بوابة "المواطنون" (بعكس بعض المطارات الأخرى مقارنة بعدد السكان) أكثر عنه في بوابة "الوافدون" يعني حتى في هذه لا نستفيد لأن المواطن الليبي سيتعرض للـ"تشحوير" والوافد أموره ميسرة سهلة..


أرجع لأصل الموضوع ، وهو المواطن الليبي ، ألا يستحق أن يفخر بجنسيته الليبية عندما لا تضاهيها في مميزاتها جنسية أخرى في العالم ، ما الذي استفدته من كوني ليبيا غير أولوية الإنضمام للقوات المسلحة ، قولوا لي ميزة واحدة للمواطن الليبي اليوم فوق أرضه أو خارجها تميزه عن غيره؟؟ لماذا وصلت المواطـَـنة (بفتح الطاء) إلى هذه الدرجة من الانحدار ، أعطيني شخصاً واحداً في هذا العالم يطمع اليوم في الجنسية الليبية لما لها من مميزات تجعلها محط أنظار؟ في الحقيقة تكتشف عندما ترى الواقع بشيء من التفحص والتحليل بأن المواطن الليبي والحمد لله لاينقصه شيء ولا يعاني من حرمان إلا في شيء صغير جداً وهو الفخر بكونه "مواطناً ليبيا" يشار إليه بالبنان .. مميز عن غيره بكثير من المميزات ، محط إعجاب وتقدير واهتمام من الآخرين ،، نظرة العالم إليه كما هي نظرة العالم للمواطن الغربي أو الأمريكي أو حتى العربي في بعض الدول العربية مثل الإمارات مثلاً.
كنت أتمنى عندما أقف في مطار دولة أجنبية ويرون جواز سفري يقولون هذا ليبي ، مع نظرة تقدير مرموقة لكوني كذلك .. أي نعم أنا لست مهاناً والأمر ليس لهذه الدرجة من التشاؤم ، وقد أكون بالغت في الوصف فنحن بألف خير، ولكنني أنشد التميز ، وأتطلب ما أجده من حقنا جميعاً وهو أن نعطي هذه الكلمة حقها فننفض الغبار عنها ونعيد تلميعها ونرد لها مجدها الذي يكاد يختفي وقيمتها التي كانت عليه في بداية السبعينيات وماتلته من سنوات أعتبرها سنوات عز لهذه الكلمة..
نعم فهذا المواطن الليبي يستحق الخير الكثير فوق ارضه ، يستحق مسكناً محترماً طريقاً معبدة بعناية ، معاملة لائقة من شرطي المرور وضابط الجمرك في المطار ، يستحق مركوباً محترماً -لا أريد أن أقول مرفهاً ولو أنه يستأهل أكثر من ذلك- ، يستحق مستشفىً نظيفة وطبيباً متفقهاً وبارعاً في مهنته وعناية تفوق الوصف إذا كان مريضاً ، يستحق تعليماً متقدماً على أصول صحيحة تجعل من أبناءه أكثر إلماماً بعلوم الحياة ، لا جيل يغرق في شبر من ماء إذا اضطرته الظروف إلى أن يتعامل مع أمور فيها قدر يسير من العلم!! المواطن الليبي يستحق أن نعطيه أهمية إذا أراد أن يقول كلمته بحرية عندما لا تمس حريته هذه حرية الآخرين ، يستحق منا أن نعطيه الفرصة لإيصال لهجته المحلية المغيبة إلى باقي الدول العربية للذين لا يعرفونها ، يستحق أن نكرم مبدعه ونبجل عالمه ونغمر موهوبه بالرعاية والتشجيع ، يستحق ويستحق ويستحق.
يؤسفني ويجعلني أشعر بالقهر وأنا أرى بلد هذا المواطن لا تذكر في أي مجال ولا في أي حديث -ولو كان عابراً- في أي من برامج قنوات الفضاء حتى أنهم غالباً يسمون مصر وتونس والجزائر والمغرب ولا يدري هذا المتكلم منهم بأنه قفز أميالاً كثيرة متخطياً بلد اسمه ليبيا.. وما أعظم المساحة التي تخطاها وكم هي مؤلمة تلك القفزة.
ولو أخذنا مجالاً واحداً لنقيس عليه كالرياضة مثلاً سنجد كل من هم حوالينا حققوا من الإنجازات على جميع الأصعدة ماجعل اسم بلدهم يعلوا وعلم بلادهم يرفع في جل المحافل الدولية والإقليمية ونجد بلد هذا المواطن "التعيس" يغرق ويزداد غرقاً ، وتلفه الظلمة ويأسره الجهل ، وخذ من هذا وقس عليه في باقي المجالات..والسبب!! السبب لأن هذا المواطن لايشعر بالفرق أو الميزة في كونه "مواطن ليبي" ، في بلده لايرى أنه ذو قيمة وخارجها لا يرى أن له أي شأن يتفوق به عن غيره بل ربما كان أسوأ باستثناء إذا كان قد أعطى لنفسه تلك القيمة بعلم جناه أو عمل بذل فيه الجهد وكانت كلمة ليبي قد علت مع قيمته وليس العكس.
الزبدة
إنني أحلم وهذا حلمي أن تكون كلمة "مواطن ليبي" لها قيمة كبيرة لها مميزات كثيرة ومطمع كل من يعرف ليبيا ويحسدهم عليها.. لأن المواطن الليبي على قلة عدد أفراد مجتمعه فإنه يستحق كل خير ويستحق كل تقدير ويستحق كل احترام ..يستحق أن يكون المواطن السعيد ،، المواطن الفخور ببلده ، المواطن المقتدر والمقدّر ، المواطن الذي يغبطه الجميع على "ليـبيـّته" فهل ينظر المسؤول الليبي (وهو أكثر من استفاد من مكانه وليس من جنسيته) لمعنى كلمة مواطن ليبي ويعطيها حقها من الاحترام؟
أتمنى أن أكون قد أوصلت الفكرة وهي حلمي بأن أكون (مواطن حر سعيد لي قيمة وأستحق التقدير والاحترام فوق بلدي وخارجها) ،،
أكرر ،، أنا لست مهاناً وأحمد الله على مافيه من خير ،، لكنني أنشد التفوق والعلا لهذه البلد ولمواطنها الذي يستحق أن يكون في أعلى مكانة.حلم مشروع متى يتحقق كما أريده بالضبط؟
وأتمنى أنني لم أفرط في الأحلام وأن الواقع كان أفضل مما أحلم به بكثير.. لكن كلما رحت يمنى أو يسرى أجد أن الواقع غير الحلم والحلم يتنافى مع الواقع.. ولا أجد ماأختم كلامي به إلا ماقاله الشاعر (بلدي وإن جارت علي عزيزة ،، أهلي وإن ضنوا علي كرام).

هناك 3 تعليقات:

  1. توصيف اكثر من ممتاز ولكنك لم تذهب الى توصيف الاسباب لعل المانع خير
    لك تقديرى

    ردحذف
  2. "I have a dream" مارتن لوثر كنج

    وأنا أشاركك الحلم

    نجاة

    ردحذف
  3. التعليق الأول / الأسباب شبه معروفة والموضوع طويل كفاية.. شكراً لمروركم الكريم

    التعليق الثاني / أخت نجاة أشكرك جزيل الشكر لمداخلاتك ، ونحن كلنا شركاء في هذا الحلم

    ردحذف